الغيرة المرضية انعكاسات للعلاقات الغرامية وسوء التصرفات قبل الزواج

د.ابراهيم الخضير
خلال فترة قصيرة، وقبل انتهاء العام الدراسي الحالي، وبدأ الصيف والإجازات، مرّ عليَّ عدة حالات لمرضى يعانون مما يُعرف بالغيرة المرضية، وللأسف هذا مرضٌ قد يكون منتشراً، وتعاني فيه الزوجة وكذلك الأبناء مرارة شديدة ولكن يصبرون، خاصة الزوجة التي تُصبح حياتها جحيماً لا يُطاق، في هذا المقال سوف نتحدث عن الغيرة المرضية وكيف تؤثر على حياة العائلات.

الغيرة قد تكون ضمن الحدود المعقولة مقبولة، بل ربما تكون أحياناً مطلوبة ودليل محبة بين الزوج والزوجة. عندما تنعدم هذه الأحاسيس قد تُصبح الحياة بها نوع من الملل، وكثيراً ما تشتكي الزوجات من عدم تنبه بعض الأزواج من عدم غيرة زوجاتهم عليهم، وهذا في نظرهم قد يكون دليل عدم حب من شريكة الحياة.

الغيرة عندما تزيد لدى أحد الطرفين قد تكون مزعجة حقاً للطرف الآخر.. وقد يؤدي هذا إلى صعوبات حياتية وربما يؤدي إلى عدم قدرة أحد أطراف العلاقة إلى الاستمرار في هذه العلاقة..!

الغيرة قد تصبح نوعاً من الوسواس أو نوعاً من المرض العقلي المزعج خاصة عندما يكون من قبل الزوج، والذي يبدأ في مراقبة زوجته، ويتنصت على مكالماتها التلفونية وقد يُرسل خلفها من يرى إلى أين تذهب وأين تتوقف في طريقها. البعض قد يكون له ما يبرر له ذلك من وجهة نظرة والآخر قد يكون بداية مرض عقلي مزعج وخطير، قد يؤدي إلى أن يفقد الزواج الغرض منه، وبعدأن كان مودة ورحمة وسكناً للزوجين أصبح مصدر ألم وعذاب، خاصة للزوجة، التي غالباً ما تكون هي موقع الشك والغيرة.

كيف تبدأ عملية الشك المرضي؟

عادة لا يكون الشخص الذي يصل إلى هذه المرحلة من الشكوك، به أي سلوك يُثير الاستغراب أو الدهشة، وكذلك لا يلفت النظر إلى أي تصرفات غير سوية، والذي لا يعرف ما يقوم به من هذا الشخص يظن أن ما يتكلم به هو حقيقة، خاصة عندما يتكلم عما تفعله زوجته، وكذلك يعطي تفاصيل تبدو لمن لا يعرف الشخص ويعرف المرض بأن ما يقوله هذا الشخص حقيقة، وأن الزوجة خائنة فعلاً..!!

يبدأ الزوج بتفسير بعض سلوكيات زوجته الطبيعية بأنها تخفي وراءها ما تخفيه، ولا يتكلم بشيء من ذلك لها، ويتكتم على هذه الشكوك التي تدور في رأسه. يبدأ بعد ذلك بالتلميح إلى زوجته ببعض من شكوكه، ولكن ليس مباشراً، وإنما بطريقة مبهمة، وقد لا تفهم الزوجة شيئاً مما يقوله زوجها، وقد تستغرب بعض المصطلحات والكلمات الغامضة التي يتلفظ بها زوجها، ولكن لا تُعير هذه الكلمات أي أهمية وإنما تعتقد أنها مجرد كلمات من زوج مُحب لديه بعض الغيرة، وإن كانت لا تستطيع تفسير بعض الكلمات أو المقاطع من تعليق زوجها على بعض من سلوكياتها..!

بعد ذلك يبدأ مسلسل مزعج من التحقيقات والإصرار على معرفة كل خطوة تقوم بها الزوجة ويبدأ الزوج في تغيير تصرفاته بحيث تتسم بالصرامة، والجفاء، ولكن يكون الأمر مقبولاً لدى الزوجة التي تظن بأن هذه التصرفات تنبع من حب الزوج وحرصه عليها.

يبدأ الزوج بعد ذلك باختلاق أحداث لم تقم بها الزوجة أو أمور بسيطة عملتها الزوجة ولكن الزوج فسرها بشكل مختلف حسب تفكيره المريض. فإذا كانت مثلاً ذاهبة لزيارة فإنه قد يتهمها بأنها ذاهبة لمقابلة شخص لموعد غرامي، وإن هذه الزيارة ما هي إلا مجرد مبرر كي تغادر المنزل..! ولو طلبت الزوجة منه أن يرافقها لهذه الزيارة، فذلك قد يزيد الأمور سوءاً، حيث يظن الزوج بأن الزوجة تحاول أن تخدعه وتنتقص من قدرة، وأن هذه الدعوة ما هي إلا جزء من هذه الخيانة.

يبدأ الزوج بعد ذلك في البحث عن دليل يثبت ما يقوله، وغالباً ما يلجأ إلى البحث في ملابس زوجته أو الأشياء التي تخصها عن ما يدعم هذه الشكوك التي لا أساس لها من الصحة. قد يجد الزوج بعض من الأشياء التي من مقتنيات المرأة بشكل طبيعي لكن نظراً لشكوكه المرضية فإنه قد يسفر وجود هذه الأشياء بأنها أدلة قوية ودامغة على خيانة الزوجة. للأسف هناك بعض السيدات لا يستطعن الوقوف في وجه هذه الاتهامات!

حالة السيدة «م»:

هذه قصة حقيقية لسيدة تزوجت منذ أكثر من عامين، وتزوجت أحد أقاربها، ولأن هذا القريب كان متعدد العلاقات الجنسية مع سيدات قبل الزوج (وكذلك بعد الزواج!)، وبما أن زوجته سيدة بسيطة لم تنل قسطاً جيداً من التعليم، وليس لديها خبرة في التعامل مع زوجها.

تبدأ قصتها منذ الليلة الأولى للزواج، حيث أتهم الزوج زوجته بأنها ليست بكراً (وهذه مشكلة كبيرة، ومستشرية بين عدد لا بأس من الرجال)، كان حديثه بأنه لم ير كمية كافية من الدماء تنزف من العروسة ليلة الزفاف، وكتم ذلك في نفسه، وصارحها بما يدور في نفسه ولكنها أصرت على أنه لم يسبق لها أن قامت بأي علاقة وأنها إنسانة شريفة وتستغرب من زوجها وقريبها أن يتهمها بهذه العملية المشينة..!!

تقبَّل الزوج إجابات زوجته لكن لم يستطع أن يُصدّقها تماماً، وبدأ بالضغط عليها للاعتراف بمن كانت على علاقة معه قبل الزواج. ولأنها سيدة بسيطة التعليم وقليلة الخبرة في الحياة فإنها لجأت إلى دفاع نفسي يتناسب مع ثقافتها، حيث لجأت إلى خلق مرض عضوي، وتستطيع من خلاله أن تهرب من أسئلته الكثيرة حول علاقاتها قبل الزواج، ورغم محاولاتها المستميتة إلا أنها لم تستطع إقناع أو تهدئة مخاوفه وإزالة شكوكه. بدأ معها رحلة الذهاب إلى المشعوذين داخل المملكة وخارجها وانفق مبالغ كبيرة للاطمئنان على أنها كانت بكراً، وعذراء عند زواجها. وانجبت طفلاً ولكن الزوج ما زال مصراً على أن هناك أمراً في حياة زوجته قبل الزواج، وأنها لم تكن بكراً. ورغم أنه ذهب بها إلى طبيبات وأطباء متخصصين في أمراض النساء والولادة، وأكدوا له بأنها عذراء عند زواجها، إلا أنه لم يقتنع. وكان يرتاح للمشعوذين الذين يعطونه إشارات بأن هناك شيئاً ما قبل الزواج، ويظل يبحث عن ما هو هذا الشيء إلا أن المشعوذ يطلب أشياء أخرى حتى مل منه، وتركه، ولا زال يلاحق زوجته بمن هو الرجل الأول في حياتها؟ ولأنها محدودة التفكير، فقد لجأت إلى اضطراب فقد الوعي، وعندما تكون في هذه الحالة فإنها تتحدث، واعترفت بأن فقدت عذريتها لواحد من الجن..!! وكما شرح لي الزوج بأنه شعر بارتياح عندما علم بأن الذي فض بكارة زوجته هو من الجان وليس من الأنس..!! ورغم أن العملية مختلقة من أساسها، وقد تكون الزوجة تحدثت بهذا اللاوعي، ولكن ذلك جعل الزوج يشعر بالارتياح..!

وقال لي الزوج بأنه عندما تطلب منه زوجته زيارة قريبة لها فإنه يتذكر الأعذار التي كانت السيدات اللاتي يخرجن معه في علاقاته المتعددة، فإذا قالت الزوجة بأنها ذهبت إلى الخياطة أو زيارة خالتها، فإنه يتذكر فلانة التي قالت به بأنه قالت لزوجها أو لأهلها بأنها ذاهبة للخياطة أو الكوفيرة أو لزيارة خالتها، ويحرقه التفكير بأن زوجته ربما تفعل ذلك معه..! وربما يكون ذلك عقاباً لسلوكه هو، والحقيقة أن المريض هو هذا الشخص هو المريض وليست زوجته..!! عادة تكثر الشكوك المرضية في الأشخاص الذين لهم علاقات غرامية قبل الزواج وكذلك بعد الزواج. فهذا الرجل يعيش جحيم انعكاسات علاقاته وسوء تصرفاته التي تجعله كثير الشكوك، وربما ليست في زوجته فقط، وإنما في أفراد أسرته أيضاً، كشقيقاته أو بناته، وفي مثل هذه الحالات ربما يستفيد الزوج من مراجعة عيادة أو شخص متخصص في العلاقات الزوجية، وحبذا لو تم إشراك الزوجة في العلاج، حيث إن هذا هو العلاج والمساعدة المثالية لمثل هؤلاء الأشخاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *